فصل: قال ابن القيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في السوء:
وهو كلّ ما يَغُمّ الإِنسان من أُمور الدّارَين، ومن الأَحوال النفسيّة والبَدَنيّة والخارجة: من فوات مال، وفَقْد حميم.
وقوله تعالى: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي غير آفة بها.
وفُسّر بالبَرَص، وذلك بعض الآفات التي تعرض لليد.
وعُبّر بالسُوءَى عن كلّ ما يَقْبُحُ، ولذلك قوبل بالحسنى، قال: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ السُّوءَى} أي عاقبة الَّذين أَشركوا النَّار، كما قال: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى}.
والسّيّئة: الفِعلة القبيحة، وهى ضِدّ الحَسَنة، وأَصلها سَيْوئة، فقلبت الواو ياءً ثمّ أُدغمت فقيل سيّىء.
وأَفعالٌ سَيّئة.
وفلان يُحبط الحسنى بالسُوءَى، وقد ساءَ عمله.
والحَسَنَة والسّيّئة ضربان:
أَحدهما بحسب اعتبار العقل والشَّرع، نحو المذكر في قوله: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا}.
والثانى: بحسب اعتبار الطبع، وذلك ما يستخفه الطبع وما يستثقله، نحو قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هذه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} وقوله: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ} أي مكان الجَذْب والسَنَة الخِصْبَوا والحَيَا.
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ} أي يطلبون العذاب.
وقولُه: {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ} قرأَ ابن كثير وأَبوا عمرو بالضّمّ، يعنى الهزيمة والشرّ.
وقرأَ الباقون بالفتح، وهو من المَسَاءَة، أي ما يسوءهم في العاقبة.
وقوله: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ} فساءَ هاهنا تجرى مَجْرَى بئْسَ.
وقوله: {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} نُسِبَ ذلك إِلى الوجه من حيث إِنَّه يبدو في الوجه أَثَرُ السّرور والغَمّ.
وقوله: {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} حَلّ بهم ما يسوءُهم.
وكُنى عن الفرْج وعن العورة بالسّوءة، قال: {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} وقال: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا}.
واستاءَ من السّوءِ افتعل منه؛ كما تقول من الغم: اغْتَمّ.
وفى حديث النبىّ صلَّى الله عليه وسلم أَن رجلا قصّ عليه رُؤيا فاستاءَ لها، ثمَّ قال: «خلافة نبوّة، ثمّ يؤتِى الله المُلْك من يشاءُ». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَيُنَجِّى اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
كما وَقَاهم- اليومَ- عن المخالفات، حماهم- غدًا- من العقوبات، فالمتقون فازوا بسعادة الدارين؛ اليومَ عصمة، وغدًا نعمة. اليومَ عناية وغدًا حماية وكفاية.
قوله جلّ ذكره: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىءٍ}.
تدخل أكسابُ العباد في هذه الجملة، ولا يَدْخُل كلامُه فيه؛ لأن المخاطِبَ لا يدخل تحت الخطاب ولا صفاته.
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)} {مَقَالِيدُ} أي مفاتيح، والمرادُ منه أنه قادر على جيمع المقدورات، فما يريد أَنْ يُوجِدَه أَوْجَدَه.
{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)} أي متى يكون لكم طَمَعٌ في أن أعبدَ غيره وبتوحيده ربَّني، وبتفريده غَذَاني، وبِشَرَابِ حُبِّه سَقَاني؟!. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {الله خالق كل شيء} احتج المعتزلة على مخلوقية القرآن بقوله تعالى {خالق كل شيء} ونحو ذلك من الآيات فإجاب الأكثرون بأنه عام مخصوص يخص محل النزاع كسائر الصفات من العلم ونحوه.
قال ابن عقيل في الإرشاد ووقع لي أن القرآن لا يتناوله هذا الإخبار ولا يصلح لتناوله قال لأن به حصل عقد ألإعلام بكونه خالقا لكل شيء وما حصل به عقد الإعلام والإخبار لم يكن داخلا تحت الخبر قال ولو أن شخصا قال لا أتكلم اليوم كلاما إلا كان كذبا لم يدخل إخباره بذلك تحت ما أخبر به.
قلت ثم تدبرت هذا فوجدته مذكورا في قوله تعالى في قصة مريم {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} وإنما أمرت بذلك لئلا تسأل عن ولدها فقولها فلن أكلم اليوم إنسيا به حصل إخبار بأنها لاتكلم الإنس ولم يكن ما أخبرت به داخلا تحت الخبر وإلا كان قولها هذا مخالفا لنذرها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. اهـ.

.تفسير الآيات (65- 67):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقديم يدل على الاختصاص، وكانوا لم يدعوه للتخصيص، بل للكف المقتضي للشرك، بين أنه تخصيص من حيث إن الإله غني عن كل شيء فهو لا يقبل عملًا فيه شرك، ومتى حصل أدنى شرك كان في ذلك العمل كله للذي أشرك، فكان التقدير بيانًا لسبب أمره بأن يقول لهم ما تقدم منكرًا عليهم: قل كذا، فلقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك وجوب التوحيد، فعطف عليه قوله مؤكدًا لأجل ما استقر في النفوس من أن من عمل لأحد شيئًا قبل سواء كان على وجه الشركة أولا: {ولقد} ولما كان الموحي معلومًا له- صلى الله عليه وسلم، بني للمفعول قوله: {أوحي إليك} ولما كان التعميم أدعى إلى التقبل قال: {وإلى الذين} ولما كان الإرسال إنما هو في بعض الزمان لبعض الناس قال: {من قبلك} ولما كان الحكم على قوم ربما كان حكمًا على المجموع مع قيد الجمع خص بيانًا لأنه مع كونه حكمًا على المجموع حكم على كل فرد، ولأن خطاب الرئيس خطاب لأتباعه لأنه مقتداهم.
ولما كان الموحى إليهم أنه من أشرك حبط عمله سواء كان هو أو غيره، صح قوله بالإفراد موضع نحو أن الإشراك محبط للعمل وقائم مقام الفاعل، وعدل عنه إلى ما ذكر لأنه أعظم في النهي وأقعد في الزجر لمن يتأهل له من الأمة، وأكد لأن المشركين ينكرون معناه غاية الإنكار: {لئن} أي أوحى إلى كل منكم هذا اللفظ وهو وعزتي لئن {أشركت} أي شيئًا من الأشياء في شيء من عملك بالله وهو من فرض المحال، ذكره هكذا ليكون أروع للأتباع، والفعل بعد إن الشرطية للاستقبال، فعدل هنا عن التعبير بالمضارع للمطابقة بين اللفظ والمعنى لأن الآية سبقت للتعريض بالكفار فكان التعبير بالماضي أنسب ليدل بلفظه على أن من وقع منه شرك فقد خسر، وبمعناه على أن الذي يقنع منه ذلك فهو كذلك.
ولما تقرر الترهيب أجاب الشرط والقسم بقوله: {ليحبطن} أي ليفسدن فيبطلن عملك فلا يبقى له أثرًا ما من جهة القادر فلأنه أشرك به فيه وهو غني لا يقبل إلا الخالص، لأنه لا حاجة إلى شيء، وأما من جهة غيره فلأنه لا يقدر على شيء.
ولما كان السياق للتهديد، وكانت العبادة شاملة لمت تقدم على الشرك من الأعمال وما تأخر عنه، لم يقيده بالاتصال بالموت اكتفاء بتقييده في آية البقرة وقال: {ولتكونن} أي لأجل حبوطه {من الخاسرين} فإنه من ذهب جميع عمله لا شك في خسارته، والخطاب للرؤساء على هذا النحو- وإن كان المراد به في الحقيقة أتباعهم- أزجر للأتباع، وأهز للقلوب منهم والأسماع.
ولما كان التقدير قطعًا: فلا تشرك، بنى عليه قوله: {بل الله} أي المتصف بجميع صفات الكمال وحده بسبب هذا النهي العظيم والتهديد الفظيع مهما وقعت منك عبادة ما {فاعبد} أي مخلصًا له العبادة، فحذف الشرط، عوض عنه بتقديم المفعول.
ولما كانت عبادته لا يمكن أن تقع إلا شكرًا لما له من عموم النعم سابقًا ولاحقًا، وشكر المنعم واجب، نبه على ذلك قوله: {وكن من الشاكرين} أي العريقين في هذا الوصف لأنه جعلك خير الخلائق.
ولما كان التقدير: فما أحسن هؤلاء ولا أجملوا حين دعوك للإشراك بالله، وما عبدوه حق عبادته إذ أشركوا به، عطف عليه قوله: {وما قدروا} وأظهر الاسم الأعظم في أحسن مواطنه فقال: {الله} أي الملك الأعظم {حق قدره} أي ما عظموه كما يجب له فإنه لو استغرق الزمان في عبادته وخالص طاعته بحيث لم يخل شيء منه عنها لما كان ذلك حق قدره فكيف إذا خلا بعضه عنها فكيف إذا عدل به غيره.
ولما ذكر تعظيم كل شيء ينسب إليه، دل على باهر قدرته الذي هو لازم القبض والطي بما يكون من الحال في طي هذا الكون، فقال كناية عن العظمة بذلك: {والأرض} أي والحال أنها، وقدمها لمباشرتهم لها ومعرفتهم بحقيقتها.
ولما كان ما يدركون منها من السعة والكبر كافيًا في العظمة وأن لم يدركوا أنه سبع، أكد بما يصلح لجميع طبقاتها تنبيهًا للبصراء على أنها سبع من غير تصريح به فقال: {جميعًا} ولما كان أحقر ما عند الإنسان وأخفه عليه ما يحويه في قبضته، مثل بذلك في قوله مخبرًا عن المبتدأ مفردًا بفتح القاف لأنه أقعد في تحقير الأشياء العظيمة بالنسبة إلى جليل عظمته: {قبضته}.
ولما كان في الدنيا من يدعي الملك والقهر والعظمة والقدرة، وكان الأمر في الآخرة بخلاف هذا لانقطاع الأسباب قال: {يوم القيامة} ولا قبضة هناك حقيقية ولا مجازًا، وكذا الطي واليمين، وإنما تمثيل وتخييل لتمام القدرة.
ولما كانوا يعلمون أن السماوات سبع متطابقة بما يشاهدون من سير النجوم، جمع ليكون مع {جميعًا} كالتصريح في جميع الأرض أيضًا في قوله: {والسماوات مطويات} ولما كان العالم العلوي أشرف، شرفه عند التمثيل باليمين فقال: {بيمينه} ولما كان هذا إنما هو تمثيل بما نعهد والمراد به الغاية في القدرة، نزه نفسه المقدس عما ربما تشبث به المجسم والمشبه فقال: {سبحانه} أي تنزه من هذه القدرة قدرته عن كل شائبة نقص وما يؤدي إلى النقص من الشرك والتجسيم وما شاكله {وتعالى} علوًا لا يحاط به {عما يشركون} أي إن علوه عن ذلك علو من يبالغ فيه، فهو في غاية من العلو لا يكون وراءها غاية لأنه لو كان له شريك لنازعه هذه القدرة أو بعضها فمنعه شيئًا منها، وهذه معبوداتهم لا قدرة لها على شيء، روى البخاري في صحيحه في التوحيد وغيره من عبد الله رضي عنه قال: جاء حبر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع والماء والثرى على إصبع والخلائق على إصبع ثم يميزهن ثم يقول: أنا الملك، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه تعجيبًا وتصديقًا لقوله ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم {وما قدروا الله حق قدره} إلى: {يشركون} [الأنعام: 91] وروى الشيخان عن ابن عمر- رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن بشماله ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون» وللبخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} واعلم أن الكلام التام مع الدلائل القوية، والجواب عن الشبهات في مسألة الإحباط قد ذكرناه في سورة البقرة فلا نعيده، قال صاحب الكشاف قرئ {لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} على البناء للمفعول وقرئ بالياء والنون أي: ليحبطن الله أو الشرك وفي الآية سؤالات:
السؤال الأول: كيف أوحي إليه وإلى من قبله حال شركه على التعيين؟ والجواب تقدير الآية: أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك، وإلى الذين من قبلك مثله أو أوحي إليك وإلى كل واحد منهم لئن أشركت، كما تقول كسانا حلة أي كل واحد منا.
السؤال الثاني: ما الفرق بين اللامين؟ الجواب الأولى: موطئة للقسم المحذوف والثانية: لام الجواب.
السؤال الثالث: كيف صح هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم؟ والجواب أن قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} قضية شرطية والقضية الشرطية لا يلزم من صدقها صدق جزأيها ألا ترى أن قولك لو كانت الخمسة زوجًا لكانت منقسمة بمتساويين قضية صادقة مع أن كل واحد من جزأيها غير صادق، قال الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ولم يلزم من هذا صدق القول بأن فيهما آلهة وبأنهما قد فسدتا.